السوري القتيل وساق نانسي
أتت حادثة مقتل مواطن سوري في فيللا نانسي عجرم ليثير جدلاً آخر. وفق رواية فادي الهاشم " زوج نانسي " ، المواطن هو سارق تسلّل إلى بيت نانسي وهدّد أمن العائلة، ما استوجب تدخل الهاشم لحماية بناته الثلاث، فأردى محمد حسن الموسى قتيلاً بستة عشر طلقة. في اليوم الذي تلى انتشار خبر الجريمة، ظهرت روايةٌ أخرى مناقضة تماماً لما ورد عن لسان الهاشم قدمتها عائلة الموسى، مفادها أن الأخير عمل بستانياً لدى العائلة، وأتى لأخذ مستحقاته بعد معاناةٍ شديدة في الحصول عليها. هنالك الكثير من اللبس والغموض في الروايتين: إن كانت الرواية الأولى تدّعي أن السارق مجهول الهوية لماذا يقول الأخير - وفقاً للهاشم، "ما تجبرني إئذيك أستاذ فادي؟" لم أسمع يوماً بسارق ملثّم يدخل منزلاً ويدعو صاحب البيت بالـ"إستاذ". من الواضح أن الجملة قد تشي بمعرفة ما تربط الموسى بالهاشم. وان كانت المحطة الأخيرة لموت الموسى هي قريبة من غرفة نوم بنات نانسي - كيف استطاع الهاشم أن يطلق ستة عشر طلقة بالقرب من بناته؟ هل كنّ هناك أم أن مقتل الموسى تمّ في مكان آخر؟ والأهمّ لماذا هنالك عملية مونتاج للفيديو الذي تمّ تداوله لشرح فادي الهاشم (مراجعة الرابط: دقيقة واحدة وسبع ثواني)؟ ما هي هذه الومضة المضيئة التي تمت في الدقيقة الواحدة والتاسعة والثلاثين والتي استدعت فادي أن يقلص جسده كما لو أن هنالك طلقة نارية كادت أن تستهدفه ومن أطلقها إن كان سلاح الموسى هو فعلاً سلاحاً وهمياً؟ لم تكن كل تلك الأسئلة مهمة لرواد التواصل الاجتماعي. إذ ملأت حملات التضامن المطلق ساحات التواصل الاجتماعي. في اليوم الثالث تمّ إطلاق سراح فادي الهاشم وتركه رهن التحقيق، بانتظار إحالة الملف الى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، ما استدعى حملة استهجان زادت من وطيس حلبة الجدل السوري/اللبناني في مناخ لا يخلو من العنصرية. عنصرية بدأت بالتشديد على هوية السارق ولم تنتهي بهيفاء وهبة التي غردت "ويا ريت كل هالأشكال المجرمة
يفلوا (يخرجوا) بقى من لبنان"!
صناعة الصورة والخبر
في سياق متصل، كان مثيراً كيف تناولت بعض الصحف والمجلات الحادث وأكثرها فداحة عنوان مجلة سيدتي: "بالتفاصيل الكاملة.. الصور الأولى لإصابة نانسي عجرم وجثة الجاني.. وموقف هاشم القانوني". وقام موقع مونتي كارلو الدولية بتقديم عنوان مماثل بينما قدّم موقع مصراوي العنوان التالي: " قتل لصًا وفارق السن بينهما 14 عامًا.. ". كثرت العناوين، وإذ بالجريمة التي تمت-بمعزل عن تهمة كل من الضحية أو الهاشم - تدور حول مدار صورة نانسي.
نسي الجميع الرجل الذي قتل بستة عشر طلقة. وبات التركيز في اللحظات الأولى على ساق الأخيرة. وكان التضامن واجباً تلقائياً بافلوفياً. سيطرت صورة النجمة المؤلّهة على منطق وعقول محبيها. ولم تعد مهمّة كل التساؤلات ولا الفيديو وما يقدمه من احتمالات لسرديات متعددة لما حصل. صورة نانسي كنجمة شيّئت جريمة بأكملها: حوّلت كل ما حدث الى مجرد أكسسوار لخبر آخر من يوميات فنانة، ستلقى مزيداً من الإحاطة من قبل زملائها ومحبيها. ولو تمّ الحدث نفسه في مكان غير منزل نانسي عجرم، لتمّ التعامل قانونياً وإعلامياً مع الحدث بشكلٍ مغاير.
من يصنع الصور ومن يشيئها ومن يسلعها ومن يكرّسها وفي أي سياق وأية ديناميات؟ سؤال يطرح.
!