قال القائد العام لـ"هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، في كلمة مصورة له، الأربعاء، "إنَّ ما يجري اليوم من مجازر ومآسٍ هو حلقة من هذه الحرب التي لا خيار لنا فيها إلا المواجهة، والأيام دول؛ يومٌ بيوم، وإنما تقاسُ المعارك بخواتيمها".
وابتعد الجولاني في كلمته عما درج عليه قادة السلفية الجهادية من إطناب لغوي وفقهي، وتكلم بسرعة وهو يرتدي البدلة العسكرية على منبر، فيما تناوبت أكثر من كاميرا على تصويره.
الجولاني استغرق في التحليل الجيوسياسي للوضع في المنطقة، وقدم "الجهاد الشامي" كحصن دفاع عن السنّة في وجه الامبراطوريتين الروسية والصفوية الإيرانية. وكان حديثه موجهاً للخليج وتركيا والولايات المتحدة، إذ لم يخض في أي تفاصيل داخلية عن المعركة والتطورات الميدانية، وركز على البعد الجيوسياسي للصراع في المنطقة.
وركز على إن سوريا "قد تجاوزت مرحلة إسقاط النظام، وباتت في حرب تحرر واستقلال من الاحتلالين الروسي والإيراني".
وأضاف: "أسباب النصر والهزيمةِ تكمن بداخلِنا؛ بذواتنا وإيماننا واستعدادنا الدائم للتضحية والفداء، وإقلاعنا عن المعاصي وتوبتنا إلى الله"، مشيراً إلى أن "العالم بأسره سيتحمل نتائج هذه الحرب وتبعاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي ستخلط الأوراق الدولية وإعادة توزيع قوى المنطقة من جديد".
وتابع: "النظام بشكله السابق قد ولى بغير رجعة بإذن الله، فقد انتصرت الثورة عليه في نواحٍ متعددة، ففككت جيشه، وأظهرت خور قواه الأمنية، وحطمت اقتصاده… فبات فاقداً لأهلية إدارة البلاد، فضلًا عن شرعيته"، وأردف "النظام كالدمية يتلاعب به المحتل الإيراني والمحتل الروسي الذي يسعى لتأمين مواقعه على البحر المتوسط بغرض نهب ثروات المنطقة ولعب دور فعال في الصراعات الدائرة هناك".
وأشار إلى "أن العاقبة لأصحاب الأرض دائماً وأبداً، لأنهم اختاروا مواجهة المحتل، وبذلوا مُهَجَهم في سبيل تحررهم، مؤكداً أننا تجاوزنا مرحلة إسقاط النظام، وبتنا في حرب تحرر واستقلال من احتلال روسي إيراني غاشم؛ يستهدف ديننا وأرضنا وثرواتنا، في حين ليس لنا خيار إلا مواجهة المحتلين، والصمود أمام ظلمهم وطغيانهم، فإما نحقق النصر والظفر ونراه بأعيننا، وإما شهادة في سبيل الله".
وأثنى الجولاني على "المجاهدين لتكاتفهم وجهودهم في صد العدو الصائل"، وبارك "العمليات النوعية التي ضربت العدو في عمقه العسكري والاقتصادي من قبل المجاهدين كاستهداف المطارات ومصافي النفط وحقول الغاز"، مهدداً بضرب مواقع جديدة "ستصل إليها أيادي المجاهدين في المرات القادمة بإذن الله تعالى".
وأضاف: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو قادر على حمل السلاح فلينهض إلى سلاحه ويلتحق بصفوف المجاهدين، فإنَّ المعركة مستمرة وطويلة، وتحتاج منَّا إلى صبر ومصابرة"، مختتماً كلمته "بتقديم الشكر والتقدير لكل من مدّ يد العون للأهالي النازحين، وسعى لتخفيف وطأة النزوح وقسوة البرد والشتاء عنهم".
وانبرى كثيرون من النشطاء للرد على كلمة الجولاني. الناشط السياسي مصطفى سليمان، قال: "إنّ كلمات تثبيت الأمة ورفع معنوياتها في هذا الوقت العصيب هو أمرٌ محمود، ولكن عندما يخرج هذا الخطاب من عامة الناس وليس من قائد فصيل عسكري يسيطر على محاور القتال ويلتزمُ منها بمحور واحدٍ يحدده له العدو ويمنعه الضامن من تجاوزه". و"الحديث عن معاناة النازحين الإنسانية وضرورة مساعدتهم أمرٌ فيه خير، ولكن؛ هذا خطابُ المنظمات الإنسانية وليس خطابُ قائدُ فصيلٍ كان سبباً في نزوحهم وآلامهم".
وتابع: " توقَّع بعضُ من تابعوا الكلمة حتى نهايتها أن تتحدث أيها القائد عن سبب سقوط جرجناز وأربعين بلدة غيرها خلال ساعات، وأن تتحدث عن اتفاقية سوتشي وموقف هيئة تحرير الشام منها، وأن تتحدث عما تم الاتفاق عليه مع الضامن التركي بخصوص بقية المناطق المطلة على الطريق الدولي. لكن؛ تفاجأ مَنْ تابعَ الكلمة من الناس بانتهائها قبل أن يسمعوا شيئاً عن مناطق امتلأ ترابها بدماء آلاف الشهداء حتى تحررت. وقد ذكرت في كلمتك كل الدول المتآمرة على ثورة الشام ولم تذكر النظام التركي بخيرٍ أو شر وكأنَّ هذا الملف مازال مُحرجاً لك بعد احتراق ورقته التي لا يزال فصيلك يحميها ويحرس أرتالها ونقاطها".
وأضاف سليمان: "قلت أنّ من أسباب النصر الإقلاع عن المعاصي ونسيتَ أنَّ من أعظمِ المعاصي هو أن تجعل للكافرين سبيلاً على المؤمنين عند الإلتزام باتفاقياتهم وعند رهن قرار ثورة الشام لتفاهماتهم ثم الإلتزام بخطوطهم الحمراء في الساحل والغاب. ونسيتَ أنَّ مِنَ المعاصي أيضاً فرضُ الضرائب والمكوس المحرمة على مسلمي الشام من قبل حكومتك المسماة حكومة الإنقاذ. ونسيتَ أنَ من المعاصي اعتقال أصحاب كلمة الحق من حملة دعوة الخلافة والوجهاء والمجاهدين الصادقين الذين امتلأت سجونك بهم".
وكان الجولاني، قد أعلن، الثلاثاء، النفير العام في إدلب لجميع عناصر "الهيئة" لصد الحملة العسكرية على المنطقة من قِبَل نظام الأسد، بعد أيام من سيطرته على عشرات المدن والبلدات في الريف الجنوبي للمحافظة.
ورداً على أخبار عن منع "الهيئة" لتعزيزات "الجيش الوطني" من دخول إدلب قادمة من عفرين، أكد المتحدث باسم الجناح العسكري في "تحرير الشام" الملقب بـ"أبو خالد الشامي" أن "الهيئة" لم تمنع أحداً من الدخول الى إدلب لقتال النظام، إلا أنها اشترطت أن تكون وجهة القوات إلى أرض المعركة.
مضيفاً: "التنسيق قائم مع كل من يريد الذهاب لأرض المعركة والمشاركة بشكل جدي دون ادعاءات فقط على الإعلام، وأي أحد يدعي منعه من النزول للقتال فهو كاذب".
وتابع: "النظام الفاجر الذي يقتل ويشرد الأهالي في إدلب هو ذاته تمتد جبهاته على محاور مناطق درع الفرات بريف حلب الشمالي فلماذا المزاودات الفارغة فليقوموا بفتح جبهات تعد هي الأقرب لهم باتجاه إدلب من جهة الباب وغيرها".
وأكد أن "الفصائل المجاهدة اليوم على رأسها هيئة تحرير الشام وأنصار التوحيد والجبهة الوطنية على قلب رجل واحد في مقارعة الاحتلال وأعوانه إلا أن بعض المفسدين ممن يريد أن يغطي على خذلانه يحاول التشويش على حالة التآلف الحاصلة وتشويه سمعة المجاهدين".