الرئيس التركي عاود تصريحاته، بأن عملية «نبع السلام مستمرة، حتى تحقيق أهدافها شمال سوريا، وحسب الخطة المرسومة»، لكن ما كان يحصل عملياً على الأرض، هو ان الأكراد استعادوا أجزاء من بلدة راس العين، وهي بلدة يسكنها أكراد وعرب، بينما بلدة تل أبيض، لا زالت بيد الفصائل التركية، كمركز وحيد تمت السيطرة عليه لحد الان، منذ بدء العملية، بالمقابل، دخلت قوات النظام منذ بدء العملية، للطبقة وتل تمر وعين عيسى ومنبج وهي في طريقها لكوباني بعد السيطرة على جسر قراقوزاك، ويبدو انها ستكمل انتشارها على كامل الحدود السورية، بدون ان تطلق رصاصة واحدة .
فأصبح الكثير من المعارضين السوريين يتخوفون من أن «العملية التركية مستمرة إلى ان يكمل النظام السوري انتشاره شمال سوريا»، حيث باتت المنطقة الآمنة الموعودة تركيا، منطقة آمنة جديدة لقوات الأسد، مع استعادته لحقول نفطية في دير الزور، كانت دمشق في أمس الحاجة لها .ويبدو اليوم اكثر من أي وقت مضى، ان هذه العبارات، عن استمرار عملية نبع السلام والدخول إلى منبج، تنتمي لنوعية الاطلاقات والوعود الفضفاضة التي طالما اعتدنا سماعها من السياسيين الأتراك بما يتعلق في سوريا، دون أي رؤية مدروسة لكيفية تنفيذها، في ظل التوازنات الفاعلة للقوى المسيطرة في سوريا، طهران وموسكو، وهما ضابطا الإيقاع اللذان لا يسمحان لتركيا بعزف منفرد في سوريا. كان من الواضح ان طهران تعارض العملية بشدة، وان روسيا بدت متحفظة، مع رغبة مبطنة لاستثمارها لصالح الضغط على الأكراد للقبول بتسوية مع دمشق، اما الأمريكيون فقد أعلنوا منذ اليوم الأول معارضتهم للعملية في بيانين رسميين من البيت الأبيض، ووقوفهم على الحياد ميدانياً .
وإزاء كل هذه المواقف المعارضة من القوى الوازنة في سوريا، لم يكن مستغرباً ان تؤول العملية لهذا التعثر المبكر، وإن كان الاتراك قد تداركوا خسارتهم، شرط ان يحقق الروس لهم الحد الأدنى من مطالبهم بتحجيم قسد وسحب سلاحها، وهو امر قد لا يرضي طموحات انقرة التي كانت ترغب في مسح قسد عسكرياً، وعقب تصريحات مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، عن مباحثات أمنية بين دمشق وأنقرة في سوتشي، تتضح الصورة اكثر فأكثر، حيث تريد موسكو من الاتراك ان يجلسوا سوية مع النظام وجها لوجه، لحل مسألة الأكراد شمالاً .
لكن الخاسر الأكبر، كان وسيبقى هو المعارضة السورية، التي طالما راهنت، على منطقة آمنة للثورة بحماية تركيا، ورغم ان هذه المنطقة، وإن استمر الهجوم التركي ونجح بالسيطرة عليها، كانت ستشهد انسحابًا لاحقًا للأتراك، كما أعلن الأتراك أنفسهم بانها «عملية مؤقتة تحترم وحدة الأراضي السورية»، وستؤول لسيطرة الأسد بدعم روسي لاحقاً، ورغم وضوح هذا السبناريو المؤجل، إلا ان سرعة الاتفاق بين قسد والنظام، عجل من تنفيذ السيناريو المؤجل، فقد كانت هذه المشاورات بين قسد ودمشق متواصلة منذ عام، وتوصلت إلى نتائج تتلخص باستلام دمشق للحدود ومراكز السيادة والأمن، وإبقاء قدر من الحقوق الثقافية والإدارة المحلية المدنية للأكراد، وهي المسودة التي ستطبق غالباً، بعد إعلان الأكراد ان ما تم التفاهم عليه حاليا، هو فقط يتعلق بحماية قوات الاسد لمناطقهم وانتشارها على الحدود دون المس بهياكل قسد الادارية، بانتظار مرحلة لاحقة من التفاهمات .
«ساعدوا عدوهم»
إذن، استفاد النظام السوري من هجوم الأتراك كما كان متوقعًا، وتمكنوا بدعم حلفائهم الروس من استثمار الضـغط العسـكري التركي على الأكراد لصالحهم، فتولت موسكو التنسيق مع واشنطن لاستلام قواعدها العسكرية وضمان حماية الأكراد، ومن ثم اجرى وزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان الروسي اتصالات مع نظرائهم الأتراك، من الواضح انها تضمنت إبلاغًا لهم بالاتفاق بين دمشق وقسد، وبانتشار جيش النظام، وبوجوب تجميد العملية تجنبا للاشتباك، وبعدها دخل النظام السوري لمنبج وتل تمر والطبقة وسيستمر في انتشاره شمالًا نحو كوباني، ومن المتوقع ان يضطر الأتراك للانسـحاب من كـامل الأراضي السورية بما فيها عفرين في مراحل متأخرة من نهاية النزاع السوري، والدخول في تفاهمات مع النظام السوري حول قسد شـمالًا، ذلك ان روسيا قبلت بدخـول الجيـش التركي لسوريا في إطار اتفاق أسنانة الذين يضمن وحدة الأراضي السورية،وهي العبارة التي يستخدمها حلفاء النظام،طهران وموسكو، كناية عن وحدة الأراضي السورية تحت سيـطرة دولة الأسد.
مراسلة صحيفة التلغراف البريطانية، جويس انسور قالت منتقدة فصائل المعارضة السورية، الموالية لتركيا، ان «الثوار السوريين الذين يقاتلون مع تركيا، ساعدوا عدوهم الرئيسي الأسد، في استعادة ما تبقى من أراض، وطـلب منـهم أيـضاً ومن انـقرة ان لا يقـاتلوه !»
وتناولت صحيفة «فورين أفيرز» الأمريكية المقاربة نفسها فقالت «هذه الخطة هي هبة من الله لخصوم الولايات المتحدة في سوريا – روسيا وإيران ونظام الأسد – الذين يعتقدون أنهم قادرون على الانتظار، بينما التوغل التركي يؤدي لانسحاب أمريكي كامل، لاستعادة المنطقة وإخراج تركيا لاحقًا». أما المبعوث الأمريكي السابق لمحاربة الإرهاب، السياسي الشهير ماكجوريك، فقال في حسابه الخاص، «هدد اردوغان منذ فترة طويلة بمهاجمة منبج بعد هزيمة داعش هناك، هل سيفعل ذلك؟ لا، لأن بوتين سيقول لا».
مآلات هذا التعثر في «نبع السلام»، قد تتداركها تركيا حال حصولها على وعود من روسيا، تتعلق بتحجيم الكيان الكردي شمال سوريا، لكن على المستوى الداخلي ستتوالى الارتدادات خصوصًا في المناطق الكردية جنوب تركيا، اذ تصاعد التوتر والاحتجاجات بصفوف الأكراد، ومن المتوقع ان تنعكس هذه العملية على تكتل الأكراد بشكل أقسى وراء المعارضة التركية، في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، كما حصل في انتخابات اسطنبول مؤخراً، ويبدو أن المشهد في جنوب البلاد سيبقى مرشحاً للتصعيد، خصوصاً بعد أنباء عن اعتقال روساء ثلاث بلديات كردية على الحدود السورية، هي جولميريك ونصيبين وإرديش لينضموا لرؤساء ثلاث محافظات أكراد منتخبين ومعـتقلين في الـسجون التـركية
مراسلة صحيفة التلغراف البريطانية، جويس انسور قالت منتقدة فصائل المعارضة السورية، الموالية لتركيا، ان «الثوار السوريين الذين يقاتلون مع تركيا، ساعدوا عدوهم الرئيسي الأسد، في استعادة ما تبقى من أراض، وطـلب منـهم أيـضاً ومن انـقرة ان لا يقـاتلوه !»
وتناولت صحيفة «فورين أفيرز» الأمريكية المقاربة نفسها فقالت «هذه الخطة هي هبة من الله لخصوم الولايات المتحدة في سوريا – روسيا وإيران ونظام الأسد – الذين يعتقدون أنهم قادرون على الانتظار، بينما التوغل التركي يؤدي لانسحاب أمريكي كامل، لاستعادة المنطقة وإخراج تركيا لاحقًا». أما المبعوث الأمريكي السابق لمحاربة الإرهاب، السياسي الشهير ماكجوريك، فقال في حسابه الخاص، «هدد اردوغان منذ فترة طويلة بمهاجمة منبج بعد هزيمة داعش هناك، هل سيفعل ذلك؟ لا، لأن بوتين سيقول لا».
مآلات هذا التعثر في «نبع السلام»، قد تتداركها تركيا حال حصولها على وعود من روسيا، تتعلق بتحجيم الكيان الكردي شمال سوريا، لكن على المستوى الداخلي ستتوالى الارتدادات خصوصًا في المناطق الكردية جنوب تركيا، اذ تصاعد التوتر والاحتجاجات بصفوف الأكراد، ومن المتوقع ان تنعكس هذه العملية على تكتل الأكراد بشكل أقسى وراء المعارضة التركية، في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، كما حصل في انتخابات اسطنبول مؤخراً، ويبدو أن المشهد في جنوب البلاد سيبقى مرشحاً للتصعيد، خصوصاً بعد أنباء عن اعتقال روساء ثلاث بلديات كردية على الحدود السورية، هي جولميريك ونصيبين وإرديش لينضموا لرؤساء ثلاث محافظات أكراد منتخبين ومعـتقلين في الـسجون التـركية