أنطاكيا – إدلب – «القدس العربي»: محاولات إسقاط الهيئة، وقائدها أبو محمد الجولاني، لا تكاد تهدأ، سواء من داخلها أو خارجها، وعلى ما يبدو فإن الهيئة في إدلب تواجه اختباراً صعباً، ولكن البيئة الفصائلية حولها، كما يرى مراقبون، ضعيفة هشة ولا تملك بديلاً مُقنعاً، بل يراها كثيرون أسوأ من الهيئة في إدارة المناطق المحررة ومعارك الميدان، والجولاني براغماتي، مال إلى «اللعب» مع تركيا دون التبعية لها وانفتح على الفصائل، لكنه ضيّق دائرة القرار وحصرها في مجموعة قوية محدودة موالية له.
والنقد الداخلي الأخير لبعض الأصوات داخل الهيئة، ولعلَ أبرزها ما تحدث يه القيادي الإداري «أبو العبد أشداء» هو «الفساد الإداري والمالي» داخل الهيئة، وقد أعفته قيادة الهيئة، وليس هو الأول، قطعاً، وقد لا يكون الأخير، لكنه لم يُوفق حتى الآن في هز قيادة الجولاني ولا في كسر الطوق وتخفيف القبضة، وقد خسرت الهيئة أصواتاً كثيرة بسبب الانغلاق، وإن توقع الباحث في شؤون الجماعات الجهادية في سوريا، فادي حسين في تعليقاته على حسابه في تويتر، أن «اعتقال ابو العبد أشداء وتقديمه للقضاء العسكري من قبل الهيئة سيخلق أزمة كبيرة جداً تتلوها انسحابات من كتلة حلب المدينة».
وأكثر النقد مُوجّه لما سُمي «الفساد الإداري والمالي» وتضخم الجهاز الأمني وانتهاكاته. وفي هذا رأى «حسين» أن «المفصل الأمني في الهيئة هو المفصل الأكثر فساداً والأكثر تفرداً باتخاذ القرارات دون الرجوع لإدارة مركزية أو مجلس شورى أو قيادة. واستمرار العمل بهذا النهج في حل القضايا الداخلية سيقضي على ما تبقى من حاضنة شعبية في إدلب، وسيقضي على مصداقية المفصل العسكري». وكان رأي القيادي الجهادي السوري «الأسيف عبد الرحمن» قريباً من هذا، قائلاً: «الساحة ليست بحاجة إلى مخططات ومقترحات بقدر ما هي بحاجة لتصحيح مسار وتغيير الهيكليات لعزل من فشل بمهامه وتقوية ودعم من أثبت نجاح ونجاعة».
وحتى اللجنة التي أعلنت عن تشكيلها قيادة الهيئة المركزية، سريعًا، بعد حملة النقد الداخلي الأخيرة، ونشرت في بيانها «إعلان تشكيل رقابة عليا تتمتع بصلاحيات واسعة» لاستدراك الأخطاء، لا يبدو أنه توجه حقيقي من القيادة نحو تصحيح الأوضاع الخاطئة أمنياً ومالياً وإدارياً.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث السوري فادي حسين أن «هذا الكلام إن لم يرافقه إعلان مباشر عن هذه اللجنة إلى جانب محاكمة المتورطين في الفساد ، مع التوقف عن ملاحقة معارضي الهيئة، فهو عبارة عن استغباء جديد للشعب يشبه تمثيلية حكومة الإنقاذ ووزارة الداخلية». وأضاف قائلاً: «الجولاني براغماتي ذكي، لكن توجيه هذا الخطاب البراغماتي للخارج، فقط، لإثبات التغيير الذي تحاول الهيئة القيام به غير كافٍ، وغير فعال. الداخل هو الأساس، والحاضنة الشعبية هي الأهم، ومن دون ذلك، كل هذه الخطابات الرنانة لن تنفع».
هل يبقى «الجولاني» مسيطراً؟
ويبقى الجولاني ومجموعته الضيقة مسيطرين على القرار والوضع الداخلي، على الأقل حتى الآن، ورافضين للتنازل عن الهيئة أو تسليم إدلب للروس والنظام أو الاستجابة لكل المطالب التركية، وربما كثير من ثوار ومقاتلي «هيئة تحرير الشام» لا يدرون عن حقيقة موقف القيادة من الملفات الشائكة والحساسة، كالتعامل مع الأتراك والضغوط عليها لحلها أو الصيغ المعروضة عليها لاختفاء هذا الاسم من الساحة، لكن أداءهم العسكري متماسك حتى الآن، وهذا أحد أكثر ما يميز «الهيئة عن غيرها»، وفاء مقاتليها والعقيدة القتالية الراسخة، وفي هذا، يتحدث مراقبون عن أكثر من 600 نقطة عسكرية للهيئة في محيط إدلب.
وربما لخص الناشط الجهادي المقرب من الهيئة، أبو عبد الله الحموي، في حسابه على تويتر، ما يقلق أكثر المتخوفين والناقدين للهيئة من داخلها، بالقول: «لكن ننتقد الالتزام بالاتفاقيات التي ترتب عليها سقوط المدن، وننتقد ما هو أنكى وهو عدم الاعتراف بالفشل وتحقير الناس بأن واحداً منهم يصلح للقيادة فقط»، وربما كان أكثر مرونة في نقده، وأفصح بأن «لا مشكلة لنا مع أبي محمد (الجولاني)، إن أدت إدارته إلى التحرير، ولكن مشكلتنا معه ومعك (رداً على القيادي الشرعي في الهيئة «أبي فتح الفرغلي» مدافعاً عن الجولاني) إن بقيتم تمدحون بعضكم وانتم تخسرون الأرض. على كل، بشار قالوا عنه هو الأنسب لقيادة سوريا، فلا تكونوا مثلهم ولا تصنعوا كما صنعوا…».
وما يمكن قوله حتى الآن، وفقاً لمراقبين، إن قرار مصير الهيئة بيد الجولاني، وقد قاد هذا التنظيم منذ تأسيسه ومهد الطريق لسيطرته على القرار، وهو يدرك أن حل الهيئة سيقلب الوضع داخلها ويحدث تصدعاً كبيراً، وربما سيكون هو أحد ضحاياه. وقيادة الهيئة راوغت وناورت لتأجيل حسم قرارها، والأتراك لم ينهوا علاقتهم بالهيئة ولا هم يفكرون في ذلك، على الأقل حتى الآن، وقد رأوا منها مرونة وتفاهماً، وهي لم تضع كل أوراقها في السلة التركية
الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019
.